1 ـ نبذة تاريخية:
إن الخدمات المكتبية ليست جديدة، فقد عرفها القدماء أو عرفوا أهميتها منذ آلاف السنين، فقد عرف البابليون والايبلاويون والآشوريون والمصريون القدماء واليونانيون، وكذلك العرب المسلمون.. نوعاً من التصنيف والفهرسة يتلاءم مع طبيعة مكتباتهم، ومع حجم محتوياتها ومع مهماتها.
فقد استخدم سكان بلاد الشام القدماء، التصنيف وكانت مكتبة إبلا ( أحرقت 2200 ق.م) مصنفة حسب الموضوعات التي كانت معروفة في ذلك الزمن، فلقد وضعت الألواح الطينية (عددها 16500 لوحاً) التي كانت تحتوي على مواضيع علوم الأرض والزراعة مثلاً في مكان معين، ووضعت اللوحات التي تحتوي على موضوع الإدارة في مكان آخر..
ويقال أن البابليون قد قسموا أو صنفوا مجموعة من الألواح الطينية (2000ق.م) إلى قسمين أو موضوعين رئيسين:
1ـ قسم يتعلق بعلوم الأرض.
2ـ قسم يتعلق بعلوم السماء.
وعرف الآشوريون التصنيف، فقد صنفت محتويات مكتبة أشور بنيبال(700ق.م) إلى أصناف عدة حسب موضوعاتها، فكانت اللوحات الفخارية توضع في جرار على رفوف المكتبة. ويقال بان الرُقم المتعلقة بموضوع معين كالطب مثلاً، كان يكتب عليها اسم أو نوع المادة التي تحتويها هذه الجرار أو السلال للوصول إليها.
كما عرف المصريون القدماء نوعاً من أنواع تصنيف مكتباتهم، وكذلك عرف اليونانيون التصنيف واستخدموه في مكتباتهم، ويذكر أن الشاعر كاليماخوس أمين مكتبة الإسكندرية قد صنف مواد المكتبة في(400ق.م)، فقسم هذه المواد إلى ثمانية أقسام رئيسة.
حلب عاصمة الثقافة
وكان العرب المسلمون أول من اهتموا بتصنيف المكتبات العامة والخاصة معاً، واهتموا بتنظيمها وفهرستها من قبل مشرفي المكتبات ومسئوليها. وقسموا ورتبوا كتب مكتباتهم حسب موضوعاتها، وتشير المصادر التراثية أن العرب المسلمون كانوا يخصصون غرفة أو أكثر لكل موضوع من مواضيع المعرفة في مكتباتهم الكبيرة، كمكتبة بيت الحكمة في بغداد، ودار الحكمة في القاهرة، ومكتبة الحكم المستنصر في قرطبة، وغيرها.
وقد عمل الكثير من العلماء العرب في تصنيف المعارف والعلوم أمثال: الكندي والفارابي والنديم وغيرهم.
وكان العالم الكندي (ت253هـ) أول من صنف العلوم عند العرب فقسمها إلى قسمين:
1ـ علوم دينية وفلسفية.
2ـ وعلوم إلهية.
كما صنف الفارابي (ت339هـ) الذي عاش في بلاط سيف الدولة الحمداني، أنواع المعارف في عصره إلى خمسة أصناف رئيسة:
1ـ علوم اللسان وتشمل:(اللغة، النحو، الصرف، الشعر، القراءة).
2ـ وعلوم المنطق وتشمل:(المقولات، القضايا، القياس، البرهان، الجدل، السفسطة أو الحكمة المموهة، الخطابة).
3ـ وعلوم الرياضيات وتشمل علم العدد، الهندسة، المناظر، علم النجوم، علم الموسيقا، علم الأثقال، علم الحيل).
4ـ والعلوم الطبيعية والإلهية وتشمل:(علم الحيوان، النبات، الجماد، الإنسان، النفس، علوم ما بعد الطبيعة وما فوقها).
5ـ والعلم المدني وعلم الفقه والكلام.
أما النديم الوراق (ت385هـ) صاحب كتاب الفهرست الذي يعد كتابه من أقدم كتب تصنيف العلوم القديمة من عربية، وكذلك يونانية وفارسية وهندية باللغة العربية، إذ جمع فيها أسماء الكتب التي عرفها حتى أواخر القرن الرابع الهجري ورتبها حسب مواضيعها، وثبت أسماء مؤلفيها مع إعطاء فكرة موجزة تعرف بالمؤلف والكتاب وذلك ضمن عشر مقالات، وقسم كل مقالة إلى عدة فنون، وقسم كل فن إلى عدة فصول لها عناوينها غطت ألوان المعرفة الإنسانية والعلوم السائدة في عصره:
1ـ اللغات والكتب المقدسة وعلوم القرآن.
2ـ النحو واللغة العربية.
3ـ الأخبار والأنساب.
4ـ الشعر.
5ـ علوم الكلام.
6ـ الفقه والحديث.
7ـ الفلسفة والعوم القدرية.
8ـ الخرافات والسحر.
9ـ المذاهب والاعتقادات.
10ـ الكيمياء والصناعات.
صحيح أن التصنيف قد تطور تطوراً كبيراً عن الصورة التي كانت متبعة عند القدماء وذلك تبعاً لتطور وتنوع مواد المعرفة والثقافة، إلا أن التصنيف والفهرسة القديمة كانت تلبي الحاجة المطلوبة وتتلاءم مع طبيعة ومهمات المكتبات القديمة.
2 ـ تعريف التصنيف:
التصنيف بمعناه اللغوي: هو تمييز الأشياء بعضها عن بعض. وصنف الشيء، أي ميز بعضه عن بعض، وصنف الكتاب، ألفه ورتبه.
والتصنيف في اصطلاح علم المكتبات: هو تقسيم أو تمييز مواد المعرفة أو الثقافة ذات الموضوع الواحد وتنظيمها وترتيبها ووضعها في مكان معين حسب المواضيع الرئيسة التي ينتمي إليها كل نوع أو موضوع من أنواع المعارف، بصورة تسهل عملية الوصول إليها وعملية الانتفاع بها.
فالتصنيف يتم إذاً حسب الموضوع وهو يعني ترتيب الأشياء المتشابهة معاً ( كأن نضع على الرفوف الكتب ذات الموضوعات المتشابهة أو المتصلة). لأن التصنيف الكتابي يعني تصنيف مضمونها الفكري أو محتواها العلمي.
3 ـ تصنيف المكتبات التقليدية:
أ ـ الترتيب وفق الشكل: أي ترتيب المواد وفق النوع، كأن نضع المجلات معاً والقواميس
ودوائر المعارف وهكذا.
ب ـ الترتيب الهجائي: أي ترتيب الكتب بشكل هجائي وفاقاً لاسم المؤلف أو لعنوان الكتاب.
ت ـ الترتيب الزمني: وفق تاريخ الطبع أو تاريخ الورود.
ث ـ الترتيب الحجمي: ترتب في البدء الكتب الأكبر حجماً ثم الأصغر فالأصغر وهكذا.
ج ـ الترتيب الاهتمامي: وهو الذي يأخذ باهتمام القارئ، كأن نضع على الرفوف الكتب ذات
الموضوعات التي لوحظ الإقبال الشديد عليها.
ومعظم هذه الطرق أغفلت محتوى الكتاب وأفكاره في عملية الترتيب، مما شجع بعض الباحثين إلى التفتيش عن نظم دقيقة للتصنيف تأخذ بالمحتوى الفكري والعلمي للكتاب عند الترتيب بلا بشكله المادي.
وفي أية عملية تصنيفية لابد من استعمال رموزاً على بطاقات الفهارس ذات دلالة على تقسيمات مختلفة. وهذه الرموز تدل على مكان الكتاب الصحيح ضمن مجموعته المشتركة في المحتوى أو الموضوع. وهذه الرموز إما أن تكون أرقاماً أو أرقاماً وحروفاً معاً.
4 ـ نظم التصنيف الحديثة:
اجتهد بعض المشتغلين في المكتبات وتصنيف محتوياتها في محاولة التسهيل على القراء، وجمع كل ما يتعلق بموضوع من الموضوعات وما يلحق به من قريب أو بعيد ـ تحت أصل واحد تتفرع عنه فروع وأجزاء..فحاولوا التغيير في مناهج تصنيف المكتبات. وهناك عدة أنظمة للتصنيف، أهمها: ـ نظام ديوي العشري.
ـ التصنيف العشري العالمي.
ـ تصنيف مكتبة الكونجرس الأمريكية.
ـ التصنيف الببليوغرافي( تصنيف بليس).
ـ التصنيف الموضوعي( تصنيف براون).
ـ التصنيف التمددي أو التوسعي( تصنيف كايتر).
وأما المكتبات فعلى الرغم من تعدد هذه النظم التصنيفية، فإنها تختار ما يلائمها ويناسب جمهورها ويعمل على تحقيق رسالتها.
5 ـ شروط اختبار أنظمة التصنيف:
أ ـ حجم الكتب وعددها.
ب ـ مستقبل المكتبة والمهام التي تؤديها، فعلى سبيل المثال: إن تصنيف المكتبة الوطنية
يجب أن يختلف عن تصنيف مكتبة مدرسة ابتدائية.
ت ـ عدد الطلاب الذين يستعملون المكتبة، ومستواهم الثقافي، وعمرهم الزمني الفعلي.
6 ـ تصنيف ديوي العشري:
ينسب هذا التصنيف إلى واضعه الأمريكي " ملفيل ديوي " ( 1851ـ 1931م) الذي عمل في ميدان المكتبات واطلع على تصانيف من سبقه واستفاد منها، حتى خرج بتصنيف جديد نشره لأول مرة في عام ( 1876 م) وعرف بعد ذلك بتصنيف ديوي العشري.
ويعد هذا التصنيف من أشهر نظم التصنيف الحديثة، وبالامكان أن نطلق عليه (الموضوع الرئيس لأية طريقة تصنيف) أي تجميع الكتب في مجموعات تجميعاً مناسباً وفقاً للموضوع.
وعلى الرغم من جميع الانتقادات الشديدة التي وجهت إليه، ولا تزال، فإنه يعتبر أسهل تصنيف قائم، ويمكن تعديله بسهولة ويسر. وهو التصنيف الذي رجح في المكتبات المدرسية والعامة لتصنف بموجبه. وقد ترجم إلى أكثر من ثلاث عشرة لغة، ولـه ملخص باللغة العربية. وعلى الرغم من شهرته وسعة انتشاره واستعماله في العالم فقد عيب عليه أمران:
أ ـ أنه تصنيف محلي أمريكي أعطى أهمية كبرى للموضوعات الأمريكية العامة،
وأهمل الموضوعات الشرقية والأفريقية والإسلامية وعلومها، ولم يخصص لها
إلا حيزاً ضيقاً.
ب ـ فصله اللغة عن الأدب، إذ خص اللغة بالرقم 400، على حين خص الأدب
بالرقم 800. والأدب واللغة لا ينفصلان.
7 ـ طريقة ديوي في التصنيف:
إن طريقته مؤسسة على ( الموضوع) و ( التقسيم). إذ ردَ معارف الإنسان وعلومه إلى تسعة أصول رئيسة، وخصص أصلاً لما لا يندرج من الكتب تحت تلك الأصول التسعة، وسمى هذا الأصل " المعارف العامة "، فصار عدد الأصول التي تعود إليها جميع المعارف التي توصل إليها الإنسان عشرة أصول، وبالاعتماد على هذه الأصول وتبعاً لها تصنف المؤلفات في عشرة أقسام أساسية، يرمز لكل أصل برقم يدل عليه، وهذه الأصول هي:
الأصل الرقم المكتبي
1 ـ المعارف العامة … ـ 099
2 ـ الفلسفة وعلم النفس 100 ـ 199
3 ـ الديانات 200 ـ 299
4 ـ العلوم الاجتماعية 300 ـ 399
5 ـ اللغات 400 ـ 499
6 ـ العلوم البحتة 500 ـ 599
7 ـ العلوم التطبيقية 600 ـ 699
8 ـ الفنون الجميلة 700 ـ 799
9 ـ الآداب 80 ـ 899
10 ـ الجغرافيا والتاريخ والتراجم 900 ـ 999
وجعل تحت كل أصل عشرة فروع، وتحت كل فرع عشرة أجزاء، وخص كل جزء برقم واحد، ومثال هذا أنه رمز للعلوم الاجتماعية بـ:
( 300 ـ 399 ) وجعل تحتها عشرة فروع:
300 ـ 309 العلوم الاجتماعية
310 ـ 319 الإحصاء
320 ـ 329 العلوم السياسية
330 ـ 339 الاقتصاد
340 ـ 349 القانون
350 ـ 359 الإدارة العامة
360 ـ 369 الإنعاش الاجتماعي
370 ـ 379 التربية والتعليم
380 ـ 389 التجارة والمواصلات والنقل
390 ـ 399 العادات والفلكلور والأزياء
ثم قسم كلاً من هذه الأقسام إلى شعب على النحو التالي:
370 التربية والتعليم
371 المعلمون ونظم وطرق وسائل التعليم
372 التعليم الأولي والابتدائي
373 التعليم الإعدادي والثانوي والفني.
وقسم كل جزء إلى أجزاء أخرى، فاستخدم ديوي الأعداد العشرية. فمثلاً:
370 التربية والتعليم
370.1 فلسفة التربية والتعليم
370.15 علم النفس التربوي
8 ـ المآخذ على تصنيف ديوي والتعديلات العربية في خطته:
مما يؤخذ على هذا التصنيف وبخاصة في أصله الثالث أنه جعل جميع الديانات السماوية وغيرها تحت الرمز ( 200 ـ 299)، وخص الديانة المسيحية بمعظم أرقام هذا الأصل، وضم الدين الإسلامي إلى غيره من الديانات الأخرى، فلم يجعل لـه رقماً خاصاً مستقلاً به، كفرع من فروع هذا الأصل، مع كثرة علوم الإسلام، وتعدد فروعها وأجزائها، وبفضل بعض الباحثين العرب المهتمين بالمكتبات العربية وتصنيفها تم إدخال تعديلات على خطة ديوي العشري في ترجمته العربية، اقتضتها حاجات المكتبات العربية لتلافي ما أهملته هذه الخطة ليصبح ملائماً لتراثنا العربي بشكل عام، وبالنسبة للدين الإسلامي وتفريعاته بشكل خاص، وصار الرمز / من 210 ـ 219/ للدين الإسلامي عامة، محاولين أن يستوعب هذا التعديل تصنيف المكتبة العربية الإسلامية.
200 الديانات
210 الدين الإسلامي
220 القرآن الكريم وعلومه
230 الحديث النبوي الشريف وعلومه
240 العقائد الإسلامية
250 الفقه وأصوله
260 التصوف
ـ مثال للتفريع: أ ـ 200 الديانات
210 الدين الإسلامي
217 المذاهب الإسلامية
217.3 المذهب الشافعي
ب ـ 250 الفقه وأصوله
251 أصول الفقه
252 علم الفقه
252.1 الفتاوى
252.2 العبادات
ومع كل هذا فإننا نرى أن التصنيف العشري لم يستغن عن الرمز ببعض الحروف لفئة من الكتب، فاستبدلت أرقام تصنيفها بحروف، لأن الرمز في تصنيف ديوي هو الرقم الذي يختلف في دلالته عن الرقم الحسابي. فالرقم ( 400) في نظام ديوي يعني اللغات بينما في الحساب ونحن نقرؤه أربعمائة قيمة حسابية بلغت أربع مئات. مثال:
400 اللغات
410 اللغة العربية
420 اللغة الإنكليزية
430 اللغة الألمانية
440 اللغة الفرنسية
450 اللغة الإيطالية
460 اللغة الإسبانية والبرتغالية
470 اللغة اللاتينية
480 اللغة اليونانية
490 اللغات الأخر
ويمكننا بموجب هذ التقسيم أن نقسم فرع اللغة العربية إلى عشرة فروع أخرى مثل:
410 اللغة العربية
411 الأصوات والكتابة
412 الاشتقاق
413 علم المعاجم
414 الصرف
415 النحو
416 العروض
417 اللهجات
418 تعليم اللغة العربية
419 موضوعات أخرى
وهناك تفريعات دقيقة يمكن إضافتها بعد تقديم النقطة العشرية. وهذه تسمى "التفريعات الموحدة " وكانوا يسمونها قديماً أرقام الشكل والصورة. وهي:
1. فلسفة ونظريات
2. ملخصات وموجزات
3. قواميس وموسوعات
4. مقالات
5. دوريات ( مجلات)
6. مؤسسات
7. تعليم وتعلم
8. مجموعات
9. تاريخ الإنشاء
ولتوضيح الاستعمال نأتي بالمثال التالي:
( 410) اللغة العربية. فإذا أضفنا إلى هذا الرقم الرمز ( 1.) 410.1، فيكون معناه نظرية أو فلسفة اللغة العربية. وإذا زدنا ( 3.) 410.3، فيكون المعنى قواميس وموسوعات اللغة العربية.
ويلاحظ هنا أننا اكتفينا بإضافة صفر واحد للرقم المنتهي بصفر، وفي مثل هذه الأرقام المنتهية بصفر نكتفي بالإضافة المذكورة.
9 ـ أسس التصنيف المعاصر:
أياً كان التصنيف الذي نتبعه فإن علينا مراعاة الأسس التالية:
1 ـ أن يكون التصنيف عاماً، أي يشمل مختلف أنواع المعارف الإنسانية.
2 ـ تجميع الكتب في مجموعات تبعاً للعلاقة التي تربط بين كتب المجموعة الواحدة، أو
تبعاً للصفات المشتركة التي تجمعها في قسم واحد.
3 ـ ربط مجموعات الكتب تبعاً للصلات الموضوعية التي تقرب من الموضوعات
المختلفة.
4 ـ أن يكون التصنيف قابلاً للتوسع باستمرار وذلك تبعاً لتنامي واتساع أنواع المعارف
الإنسانية، بحيث يسمح دائماً بإضافات فروع جديدة، واستبعاد كتب أخرى دون
الإخلال بالترتيب الموضوعي لمجموعات الكتب.
5 ـ يجب أن يكون التصنيف مرتباً ترتيباً منطقياً ومفهوماً بحيث تتضح الصلات الطبيعية
بين المواد، ويتم الانتقال والتدرج فيه من العام إلى الخاص، ومن الأصل إلى الفرع.
6 ـ وضع رموز لترقيم الكتب تدل على: ( أقسامه، وأشكاله، وفروعه، وتفرعاته) بهدف
تسهيل إعادتها إلى أماكنها ومراجعة ترتيبها على الرفوف، أو طلبها.